واليكم هذه القصة الجميلة من هذه المرأة الحكيمة :
كان لأبي حمزة زوجتان فولدت احداهما بنتا فعز عليه ذلك واجتنبها وذهب الى ضرتها يبات عندها , فأحست به يوما وقالت وهي تلا عب ابنتها :
ما لأبي حمزة لا يأتينا ** يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا ** تا الله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا ** يلبث ما قد زرعوه فينا
وانما نأخذ ما أعطينا
فعرف أبو حمزة قبح ما فعل ورجع الى امرأته .
قال تعالى (( واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم , يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ))
فقد بين الله عز وجل حال أهل الجاهلية في هذه الآية , أنهم يتضايقون ويضجرون وينفرون من البنت , فاذا سمع خبر ولادتها اسود وجهه وغضب من شدة الهم والغم والحزن , وفي قلبه حقد وغيظ على المرأة
لأنها ولدت بنتا له تجلب العار له في نظره .
فكان بعضهم يدفنها في التراب وهي حية خشية الخزي والعار والعياذ بالله , وبعضهم كان يخفيها عن الناس , والبعض الآخر يرنيها وهو كاره لها .
وما أشبه حال بعض المسلمين اليوم بحال الجاهلية بالأمس , فترى الكثير يغضب وترى في وجهه الغم والهم اذا بشر بأن زوجته أنجبت بنتا , فيتأفف ويضجر , ووصل الحال ببعضهم أن يقول عندما رزق ببنت لا تباركولي بل عزوني أعوذ بالله من هذا الفكر .
أما علموا أن المؤمن يجب أن يرضى بما قسم الله له , وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه , فربما البنت كانت خير من الصبي .
فمن تفكر في الآية يجد الذم واضح لمن رزق ببنت فحزن على ذلك .
قال ابن القيم : وقد قال الله تعالى في حق النساء (( فان كرهتموهن فعسى أن تكرهواا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) وهكذا البنات أيضا قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة , ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله وأعطاه عبده .
وقال صالح بن أحمد : كان أبي اذا ولد له ابنة يقول الأنبياء كانوا آباء بنات , وقال يعقوب : ولد لي سبع بنات فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات .
وقال الشاعر :
وما كل مئناث سيشقى ببنته *** وما كل مذكار بنوه سرور
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فأعطيتها اياها , فقسمتها بين ابنتيها ولم تاكل منها شيئا ثم قامت فخرجت وابنتاها , فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال : من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن اليهن كن له سترا من النار .
رواه مسلم .
[